بقلم/ هاني مسهور:
لطالما ارتبطت الوحدة بوجدان الإنسان العربي، حتى مع فشل الوحدة المصرية السورية في مطالع الستينيات الميلادية من القرن العشرين المنصرم ظلت الوحدة العربية تمثل عند الشعوب العربية حلماً تتجاوز به محطات الفشل العربية، فالعرب عبر محطاتهم التاريخية ارتبطوا في العصر الحديث بسلسلة من الفشل بدأت بالنكبة عام 1948م وتواصلت بالعدوان الثلاثي فنكسة 1967 والغزو الأمريكي للعراق والغزو الإيراني لعواصم العرب من بغداد إلى دمشق وبيروت وصنعاء، كلها سلسلة مرتبطة بالفشل يستعيض عنها المواطن العربي باستدعاء حلم الوحدة العربية كلما تلقى هزيمة جديدة أو نكبة أخرى أو نكسة مكررة من نكسات العرب.
التجربة اليمنية الوحدوية كان يمكن معالجتها كما عولجت الوحدة بين مصر وسوريا بفك الارتباط والعودة للواقعية السياسية بدلاً من الإصرار على المضي في علاقة إجبارية أدت لواحدة من أعقد أزمات العالم العربي حتى وأن لم يعترف العرب بهذه الأزمة فهي تظل أزمة ملتهبة في الجسد العربي المكابر على عدم معالجتها تحت ضغط تغليب الوجدان على الواقعية السياسية، بينما كان رواد القومية العربية في 1961 يمتلكون الشجاعة باعترافهم بفشل وحدة مصر وسوريا وعملوا على إنهائها فلقد وجد الزعيم القومي جمال عبدالناصر أن الطلاق ضرورة لإبقاء الحياة للقطريين السوري والمصري.
مع نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي شهد العالم تحولات جيوسياسية واسعة فمعسكر الدول الاشتراكية دخل في موجة تفكك واسعة بدأت بانقسام تشيكوسلوفاكيا وامتدت حتى وصلت لدول البلقان فضلاً عن استقلال كيانات سياسية جديدة في آسيا، وفي العالم العربي وجد اليمن الجنوبي نفسه أمام انهيار المنظومة السوفيتية فيما يمكن أن يوصف بـ (الضائع) فلقد شكل اليمن الجنوبي الوجود السوفيتي في شبة الجزيرة العربية وكان اليمن الجنوبي مندفعاً باتجاه تحقيق الوحدة اليمنية بتأثير ما تبقى من مخزون حركة القوميين العرب فيما كانت الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) تعيش نظاماً قبلياً حافظ على خصوصية تزاوج الجمهورية مع الإمامة.
رفض الجنوبيون آنذاك الاستماع للآراء التي طالبتهم بالتمهل أو على الأقل التدرج في الوحدة بين شمال وجنوب، واتخذت خطوة الوحدة الاندماجية بدون دراسة واقعية، في 22 مايو 1990 تحققت الوحدة بين الرئيسين علي سالم البيض (جنوبي) وعلي عبدالله صالح (شمالي) ليأتي غزو العراق لدولة الكويت بعد أقل من ثلاثة أشهر ويضع اليمن في أول انقسام سياسي فلقد أدى تأييد علي صالح للعراق في خلق تباين مع الجنوبيين الذين رفضوا الغزو وانحازوا للكويت ، فلم ينقضي العام الأول من عمر الوحدة اليمنية حتى بدأت التصفيات والاغتيالات الجسدية لأعضاء الحزب الاشتراكي في صنعاء مما خلق أعنف أزمة سياسية بين شركاء الوحدة.
تقدمت المملكة الأردنية بخطوات شجاعة وقدمت مبادرة الملك الحسين بن طلال (وثيقة العهد والاتفاق) وهذه الوثيقة كانت بمثابة خطوة للخلف من خلالها تم وضع إصلاح للعلاقة بين طرفي الوحدة ومساراً سياسياً كان يجب البدء فيه منذ توقيع الوحدة في مايو 1990 ولكن كانت الخطوة التصحيحية متأخرة فلقد كان الشمال اليمني قد اتخذ قرار فرض القوة العسكرية على الجنوب، وفي 27 ابريل 1994 أطلقت الحرب على الجنوب بعد خطاب السبعين للرئيس السابق علي صالح. اعتبر الرئيس المصري حسني مبارك فرض الوحدة على الجنوب بقوة السلاح خطأ جسيم سيكون له تبعاته، وهذا ما ذهبت له القيادة السعودية عندما طلب الملك فهد بن عبدالعزيز من سفير المملكة الأمير بندر بن سلطان بان لا تتضمن قرارات مجلس الأمن الدولي ما يمنح الشماليين المسوغ بفرض الوحدة على الجنوب اقوة السلاح، وهو أيضاً ما ذهب له الشيخ زايد آل نهيان بإبلاغه الشيخ عبدالله الأحمر برفض الحرب ومبدأ القوة الذي تسعى إليه صنعاء .