العناوين

الأذى الذي يتعرض له البشر خلال واقعة طبيعية هو نتاج قرارات سياسية

(عدن السبق) متابعات:

 

29 أيلول/ سبتمبر 1915، عند نهاية الميسيسبي وصولاً إلى خليج المكسيك، وعلى مسافة مائة ميل أسفل نهر نيو أورليانز، ضرب إعصار لم يكن له اسم بعد اليابسة، وسجل مقياس شدة هبوب الرياح سرعة 140 ميلاً في الساعة في بلدة بوروود بلويزيانا، حيث كان يعيش مئات الناس في أكواخ.

استمرت العاصفة وامتدت وسجلت قياسات استثنائية، وأعلن مكتب الأحوال الجوية في نيو أورليانز بـ الولايات المتحدة أن العاصفة كانت “أشد الأعاصير التي سجلت في تاريخ ساحل الخليج المكسيكي، وربما في الولايات المتحدة”.

هذه الأرقام القياسية آنذاك لم تكن تعني شيئاً حين يتعلق الأمر بالحاجة إلى بيانات عن كيفية تأثير العاصفة على الناس أو كيف كانت ردود فعلهم عليها. مثلما لا تقول هذه المقاييس الدقيقة لسرعة الرياح وهطول الأمطار والضغط الجوي شيئاً عن شكل الحياة في الأماكن التي تتعرض للهجوم على نحو متكرر من قوى الطبيعة.

يحتاج الباحث إلى أدوات مختلفة لقياس تلك الأوقات التي تسبب فيها تواطؤ الأرض والرياح والماء في تعطيل حياة البشرية، تلك الأوقات التي اتفق البشر على تسميتها بالكارثة. وهذا ما يقوم به الباحث آندي هوروفيتش، أستاذ التاريخ في “جامعة تولين” بنيو أورليانز، في كتابه الصادر مؤخراً عن “منشورات هارفارد” تحت عنوان “كاترينا: تاريخ 1915-2015”.

يذكر الكاتب أن 275 شخصاً قتلوا خلال إعصار عام 1915 في ولاية لويزيانا، وبلغت تقديرات الأضرار التي لحقت بالممتلكات 12 مليون دولار (280 مليون دولار في عام 2015)، وبقيت أربعة منازل فقط واقفة في مدينة “أمباير”، ومسحت بلدة سان مالو من الخريطة تمامًا.

ويذكر أن عمدة نيو أورليانز رفض عروض المساعدة الخارجية، وبعد شهر من الكارثة خلصت هيئة الصرف الصحي والمياه في الولاية، وهي الوكالة المكلفة بحماية المدينة من الفيضانات، إلى أنه لا يمكن لأي مدينة في أي مكان في العالم أن تصمد أمام هذه الظروف، وذكرت أن احتمالية تكرار أي من هذه الأشياء في المستقبل القريب أبعد ما يكون.

يلفت هوروفيتش إلى مفارقة تتناقض مع التقرير المذكور، فهذه المدينة شهدت اثنين وتسعين من الأعاصير أو العواصف الاستوائية منذ تأسيسها الاستعماري الأوروبي في عام 1718. على الرغم من هذا التاريخ، اعتقد مجلس الصرف الصحي والماء أنه حتى لو جاءت عاصفة كبيرة أُخرى ستكون نيو أورليانز آمنة، ونشر تقرير رسمي لم يجد سبباً في توسع المدينة في جميع الاتجاهات.

في عام 2005، عندما انهار نظام السدود أثناء إعصار كاترينا، تتبع المخططون شكل نيو أورليانز كما كان عليه قبل تسعة عقود، فوجدوا أن المياه لم تغمر معظم المنازل التي بنيت قبل عام 1915، ولكنها أغرقت معظم المنازل التي تم بناؤها بعد 1915 بناء على التقرير الذي لم يجد خطراً من ذلك.

يقول المؤلف: “يبدو أن الحوادث الحادة، مثل إعصار 1915 المنسي إلى حد كبير، تستمر في تقديم الدروس، حيث أن القرارات التي طالبوا بها وأخذوها آنذاك والتسهيلات التي فرضوها، تمتد أسبابها وعواقبها عبر فترات زمنية ومكانية أكبر بكثير مما نتخيل. إن دراسة الكوارث في التاريخ يدل على أن الأماكن التي نعيش فيها، والكوارث التي تعرّضها للخطر، تصبح مع الوقت قطعاً أثرية شاهدة على سياسة الدولة، والخيال الثقافي، والنظام الاقتصادي، والإمكانية البيئية”.

ويضيف في مقدمة الكتاب: “عندما يواجه الناس الكارثة، يحسبون الأسئلة الأساسية: ما الذي ينبغي ادخاره، وما الذي يجب أن يتركوه وراءهم، ومن يجب أن يقرر؟ من يستحق المساعدة ولماذا وأي نوع منها؟ ما سبب الكارثة في المقام الأول؟ وماذا تعني هذه الكارثة بالنسبة إلى الكارثة القادمة؟”.

يؤكد العلماء، بحسب الكاتب، أنه لا وجود للكارثة الطبيعية، لأن الأذى الذي يتعرض له البشر خلال واقعة طبيعية هو نتاج قرارات سياسية وترتيبات اجتماعية، وليس ترتيبًا لا مفر منه للأشياء.

نفذ أصحاب القرار برامج سهلت على البيض العودة إلى ديارهم، ولكن الحال لم يكن نفسه بالنسبة للسود
يذهب هوروفيتش إلى دراسة العلاقات الاجتماعية والسياسات العنصرية التي بنيت على أساسها نيو أوليانز، ويسرد على نحو قصصي كيف بنى المهندسون وخبراء النفط، والسياسيون والموسيقيون، والسود والبيض نيو أورليانز، ثم كيف شاهدوها تغرق تحت وطأة السياسات وليس الإعصار وحسب.

يشرح الكاتب كيف دمرت بيوت البيض والسود أغنياء وفقراء، وكيف جرفت فيضانات كاترينا مدينة القرن العشرين، لكنه يحقق في استجابة الدولة للفيضان، فعندما درس أصحاب القرار إعادة توزيع التحديات، نفذوا برامج سهلت على سكان نيو أورليانز البيض العودة إلى ديارهم، ولكن الحال لم يكن نفسه بالنسبة للأميركيين من أصل أفريقي.

يستكشف الكتاب أيضاً كيف تم توزيع الأرباح والمسؤوليات التي خلقتها صناعة النفط في لويزيانا بشكل غير متساو بين مواطني الولاية لمدة قرن، ومن خلال إعادة قراءة العلاقة بين عدم المساواة الهيكلية والبنية التحتية المادية؛ وهي العلاقة التي شكلت جميع المدن الأميركية، يقدم الكاتب صورة قاتمة للكوارث المستقبلية التي تنتظر البلاد

شاهد أيضاً

زلزال بقوة 3.2 درجة يضرب ولاية الشلف غربي الجزائر

ضرب اليوم الخميس، زلزال بقوة 3.2 درجة على سلم ريختر، ولاية الشلف 200