العناوين

إدوارد نورتون.. رجل الأدوار الصعبة

(عدن السبق) متابعات:

ليس بالموهبة وحدها يُصنع الفنان، خير مثال على ذلك إدوارد نورتون، صاحب الأدوار السينمائية المعقدة، الذي اختار من بين النجوم روبرت دي نيرو وآل باتشينو، نموذجا سعى جاهدا للارتقاء بأدائه إلى مستواهما. وكان له ما أراد، برأي النقاد والسينمائيين وبرأي الجمهور، ليضمن له مكانا في قائمة نجوم لا تموت.

يوم الاثنين 18 أغسطس، أتمّ إدوارد نورتون 51 عاما من عمره، الذين عرفوه عن قرب يقولون إنه يتمتع بطبيعة قيادية، ويجيد التعامل مع الآخرين، هو أيضا طموح لديه ثقة عالية بالنفس يصعب أن تهتز.

شجاع يهوى التحدي
مربيته تقول، إن إدوارد الطفل كان شعلة من الطاقة والحماس، وفي بعض الأحيان يتصرف بعناد، “عندها لا تحاول أن تغير رأيه، خاصة إذا تعلق الأمر بقضية يعتقد أنه أفضل من يعرفها”.

بمجرد أن يأخذ قرارا، يصرّ عليه، ويلتزم به حتى النهاية. وإذا حاولت تغيير طريقة تفكيره، يتحول إلى شخص دفاعي وعدواني. قد يبدو عصبيّا ولكن في أعماقه يسكن شخص حنون للغاية.

لا يمكن أن يوصف إدوارد بأنه خجول، كما تؤكد المربية، التي تقول إن نورتون الطفل كان مستعدا لتجربة كل ما هو جديد ومختلف، ويحب أن يكون محور الاهتمام، لذلك كثيرا ما يلجأ إلى ردود فعل مبالغ فيها للفت الانتباه.

لو قارنا بين وصف المربية لإدوارد وبين مواليد برج الأسد الذين ينتمي إليهم، لوجدنا تطابقا مثيرا للاهتمام. ينتمي الأسد إلى فئة الأبراج النارية، مثل الحمل والقوس، مما يجعله شخصية دائمة الحركة، طموحة، محبة للمغامرة واكتشاف كل ما هو جديد.

يكره الروتين ومبادر من الدرجة الأولى. يحب دائما أخذ المبادرة في الكثير من الأمور ويميل إلى حل المشكلات المعقدة. شجاع يهوى التحدي والمنافسة. يميل للعزلة في الأوقات الصعبة التي يحتاج فيها إلى التفكير بعمق وإعادة حساباته، لكنه لا يستمر في هذه العزلة كثيرا، وسرعان ما يأخذ قراره بضرورة الوقوف بقوة والصمود أمام تقلبات الحياة.

كل من عمل إلى جانب إدوارد نورتون يتفق على أن هذه الصفات تنطبق على شخصية الممثل الذي ولد نجما.

لم تكن المربّية التي طاردت حلما، لم يتحقق، في أن تصبح ممثلة، تدري أنها ساهمت، دون أن تعلم، بولادة ممثل سيكون له عظيم الشأن في هوليوود، وفي عالم صناعة السينما.

كل ذلك بدأ عندما كان إدوارد في الخامسة من عمره؛ كانت مربيته تصطحبه للكثير من العروض المسرحية، وهو ما نمّى لديه الرغبة في أن يصبح واحدا من هؤلاء الذين يراهم على المسرح. كان ذلك يكفي ليبدأ شغفه بعالم التمثيل.

وهو ما تحقق له حين التحق بجامعة ييل لدراسة التاريخ، بناء على رغبة والديه، حيث دفعه شغفه للتمثيل إلى الارتباط بمسرح الجامعة، ليؤدي عليه العديد من الأدوار، إلى جانب أدوار صغيرة في مسارح نيويورك، بحثا عن فرصة لدخول عالم التمثيل الحقيقي.

كل شيء بدا سهلا
نورتون يكفيه فيلمان من بين العشرات من الأفلام التي قدمها ليخلد اسمه إلى جانب عمالقة مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو
نورتون يكفيه فيلمان من بين العشرات من الأفلام التي قدمها ليخلد اسمه إلى جانب عمالقة مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو
الفرصة تحققت حينَ قرأ ذات يوم خبرا يقول إن المخرج، غريغوري هوبليت، يبحث عن ممثل يقف أمام ريتشارد جير في بطولة فيلمه الجديد، الخوف الأساسي، بعد أن اعتذر ليوناردو ديكابريو، عن الدور بسبب تحضيره لفيلمه، تيتانيك. استغل نورتون الفرصة وتقدم لاختبار التمثيل ونالَ الدور بالفعل.

صدر الفيلم عام 1996، وقدم نورتون دور آرون ستامبلر، وهو فتى كنيسة متهم بقتل رئيس أساقفة الروم الكاثوليك ويدافع عنه مارتن فيل، ريتشارد جير. ليحصد أداؤه المميز إعجاب النقاد.

بعدها تعامل معه النقاد باعتباره واحدا من أهم مواهب هوليوود الشابة، حيثُ قدّم في ذلك الفيلم دورا معقدا لشاب ارتكب جريمة قتل ويُريد أن يقنع محاميه وقاضي المحكمة بأنه مريض بالفصام، وقد لعب نورتون دوره ببراعة أدت لفوزه بجائزة غولدن غلوب، كأفضل ممثل بدور ثانوي، ورشح لجائزة الأوسكار عن نفس الدور.

الأهم من ذلك، أن الدور أتاح له فرصة للعمل تحت يد اثنين من المخرجين سبق أن فازا بجائزة الأوسكار ويعدان من صفوة مخرجي هوليوود، هما وودي آلان في فيلم، كل شخص يقول إنه يحبك، وميلوش فورمان في فيلم، الناس ضد لاري فلينت.

كل شيء بدا سهلا، وإن لم يتم في حقيقة الأمر دون تعب وعرق وموهبة كبيرة.

بعد تخرجه من الجامعة سافر إدوارد إلى اليابان حيث أمضى خمسة أشهر، ليعود بعدها إلى مدينة نيويورك، ليبدأ مشواره المهني معتمدا على نفسه. عمل في وظائف غريبة ليستطيع العيش في هذه المدينة الكبيرة.

إلى جانب العمل المرهق أمضى نورتون ستة أشهر في دراسة تقنيات التمثيل، وحصل على دروس من مدرب التمثيل، تيري شرايبر، بعد اكتشافه أنه يبحث عن مترجم ياباني لمساعدته في توجيه مسرحية له بطوكيو.

وصف نورتون تيري بأنه معلم عظيم شجع الطلاب على أن يصبحوا “ممثلين متعددي اللغات” مع إتقانهم لتقنيات مختلفة لتمثيل الأدوار على أكمل وجه.

موهبة نورتون المبكرة لم تقتصر على التمثيل، وفي عمر مبكر قدم للمسرح نصوصا تم عرضها على مسارح برودوي، وفي تلك الفترة لفت أداؤه في مسرحية براين فريل، المسماة “العشاق”، انتباه الكاتب المسرحي إدوارد آلبي، الذي استمتع بدور نورتون.

وفي عام 1994، قدم نورتون اختبارا لدور إحدى شخصيات مسرحية “العثور على الشمس” لآلبي، ولكنه لم يحصل على الدور. وجد له آلبي دورا جديدا بدلا من ذلك، وجعله يقرأ بعض الفقرات من كتاباته. أُعجب الكاتب المسرحي بأداء بروفة نورتون وأشركه في العرض العالمي الأول. أدرك آلبي أن نورتون ممثل نادر، وهو الذي قال عنه “لقد صدمتني موهبته حقا”.

ممثل تجب مشاهدته
بروكلين بلا أم.. قصة طاردها نورتون لمدة 20 عاما
بروكلين بلا أم.. قصة طاردها نورتون لمدة 20 عاما
طموح نورتون كان أبعد من خشبة المسرح التي كنّ لها إعجابا كبيرا، فعينه كانت معلقة على السينما، هناك فقط سيجني الشهرة والمجد، وستكون أمامه الفرصة للترشح لنيل جوائز عالمية، وكسب حب الملايين من المشاهدين عبر العالم.

آل باتشينو هو من ألهم نورتون لتتبع هذا المشوار، فقد بدأ حياته المهنية أيضا في المسرح بينما كان يكافح ليجد له مكانا في مدينة نيويورك التي لا تعترف إلا بالكبار.

لم تكن فترة العمل المسرحي فرصة لتطوير قدراته التقنية في الأداء فقط، بل فرصة لتقديم نفسه، وعرض قدراته أمام صناع السينما الذين يقصدون برودوي لاكتشاف المواهب الجديدة. وهذا ما حصل.

في عام 1995، اكتشفت شيرلي ريتش، وهي وكيلة لشركات إنتاج سينمائية، نورتون، الذي استأجر أستوديو بالقرب من المسرح العام، وقدم لها تجارب أداء لأعمال شكسبير.

لم تخف شيرلي إعجابها بهذا “الشاب المملوء بالحماس”، والقادر على تأدية أدوار معقدة وصعبة، ولم تتردد في تقديمه إلى المديرين التنفيذيين لشركة، دراما نوار، لتأدية دور في فيلم، الخوف البدائي، المقتبس عن رواية ويليام ديهل، لعام 1993. واختير نورتون للعب هذا الدور من بين ألفي شخص.

صحيفة شيكاغو صن تايمز، أشادت بالفيلم، وقالت إن شخصية نورتون “مقنعة تماما”. في حين وصفته صحيفة، سان فرانسيسكو كرونيكل، بـ”الممثل الذي تجب مشاهدته”. وكان هذا الدور هو الظهور الأول له في السينما.

الإطراء الذي أبداه النقاد، أكده فوز نورتون بجائزة غولدن غلوب لأفضل ممثل مساعد. ورشح للفوز بجائزة الأوسكار في نفس الفئة لدوره في هذا الفيلم.

النجاح مهد لنورتون الطريق للعب دور البطولة في فيلمين آخرين صدرا عام 1996؛ أدى دور هولدن سبنس، في الفيلم الموسيقي “كل شخص يقول أنا أحبك”. ودور المحامي، آلان آيزكمان، في دراما السيرة الذاتية، الشعب ضد لاري فلينت.

بعد هذه الأدوار، اختفى نورتون لمدة عام كامل، كان عليه أن يزيد من وزنه 30 كيلوغراما على الأقل، والخضوع لتمرينات بدنية عنيفة، ليصبح لائقا للقيام، لأول مرة، بدور البطولة المطلقة في فيلم، التاريخ الأميركي إكس، مع المخرج توني كاي وآلان سميثي.

أدى نورتون في الفيلم دور ديريك فينيارد، النازي الإصلاحي الجديد، الذي تخلى عن أيديولوجيته السابقة بعد ثلاث سنوات من السجن، وعندما أطلق سراحه وجد أخاه المراهق يكرر نفس الأخطاء التي وقع هُو فيها، فيحاول ردعه.

أشادت مجلة، النيويوركر، بأداء نورتون وقالت إنه منح شخصية ديريك “جاذبية مثيرة وغامضة” ما جعل من الفيلم تجربة لا تنسى، في حين اعتبرت صحيفة، شيكاغو تريبيون، أن أداءه كان منافسا قويا للفوز بجائزة الأوسكار. تلقى نورتون ترشيح أوسكار لأفضل ممثل، وفاز بجائزة ساتالايت الذهبية في نفس الفئة.

صراع مع النفس
صورة واقعية للتفرقة والكراهية والتمييز في أميركا
صورة واقعية للتفرقة والكراهية والتمييز في أميركا
النقاد الذين أشادوا بالفيلم، ظلموه أيضا، عندما قالوا إن الفيلم يتناول موضوع العنصرية ضد السود. فالفيلم، وكما يشير عنوانه، أعمق من ذلك بكثير.

لم يكن الفكر النازي في يوم محصورا بالموقف من السود، بل هو حكم القوي على الضعيف، حكم الرجل الأبيض على كل ما هو مختلف عنه. هو تاريخ أميركي مسكوت عنه، والفيلم محاكمة لهذا التاريخ العنصري.

العنصرية التي تحدث عنها الفيلم لم تمارس ضد السود فقط، بل مورست ضد النساء والمعاقين والضعفاء وضد كل من يتحدث الأميركية بلكنة أجنبية.

هو صورة واقعية للتفرقة والكراهية والتمييز بين الأميركي المنحدر من أوروبا البيضاء، وبين أصحاب الأصول الأفريقية والإيطالية والآسيوية واللاتينية، وصولا إلى عنصرية الشرطة ضد الجميع.

نجح الدستور الأميركي في وضع قوانين الهدف منها حماية الضعفاء وحماية المغايرين، ومن ضمنهم السود. ولكن، على الورق فقط، بينما بقي كل شيء على حاله في الحياة اليومية. لم يغير بالأمر شيئا وجود قضاة من السود، ووصول رئيس أميركي أسود إلى البيت الأبيض.

الفيلم، إن أردنا أن نلخّص محتواه، هو صراع الرجل الأميركي الأبيض مع إرثه العنصري، صراع مع النفس قبل أن يكون صراعا مع الآخر.

يناقش الفيلم المشاعر الملتهبة بين أبناء الحي الواحد، وكيف تجد الكراهية ويجد العنف طريقه بين الناس، رغم العلاقات الطيّبة التي تجمعهم أحيانا.

تبدأ أحداث الفيلم عند خروج ديريك، إدوارد نورتون، من السجن، ويعرض المخرج القصة بتسلسلين، أولهما كيف دخل ديريك إلى السجن بعد أن قتل شابين أسودين حاولا سرقة سيارته، ويتابع مسيرة حياته في السجن. وفي نفس الوقت يعرض الأحداث التي يواجهها بعد خروجه من السجن فيجد أخاه الأصغر داني قد انضم إلى مجموعة من النازيين الجدد، والتي كان هو قائدا لها يوما ما قبل دخوله السجن.

السبب الوحيد الذي جعل داني ينضم إلى هذه المجموعة هو الاقتداء بأخيه الأكبر، لكن ما لا يعلمه داني هو أن أخاه ديريك قد تغير في السجن وأن له الآن صديقاً زنجيا.

من خلال أحداث الفيلم يظهر سبب حقد ديريك على الزنوج فوالده الذي كان إطفائيا قتل على يد مجموعة منهم بطريق الخطأ.

يحاول ديريك أن يبعد أخاه عن هذا المسار، لكن داني يشعر أن هذه خيانة من قبل أخيه.

تاريخ مسكوت عنه
شخصية فصامية نالت إعجاب الجميع
شخصية فصامية نالت إعجاب الجميع
أثبت نورتون قدرته على تأدية الأدوار الصعبة والمركبة وذات الأبعاد النفسية شديدة التعقيد بسهولة وسلاسة يُحسد عليها.

وتُوج أداؤه بترشيح ثان للأوسكار كأفضل ممثل رئيسي هذه المرة، مما جعله واحدا من فئة قليلة من الممثلين رشحوا للأوسكار مرتين قبل سن الثلاثين، وجعل النقاد يراهنون عليه ليصبح واحدا من أساطير السينما.

لم يخيّب نورتون ظن النقاد، وقدم بعدها بعام واحد فيلمه الأشهر، نادي القتال، وهو من إخراج ديفيد فنشر، شاركه البطولة فيه براد بيت. ومن جديد يؤدي نورتون شخصية فصامية، ولكن بشكل مختلف واستثنائي استحق عليه مديح الجميع.

لعب نورتون في فيلم، نادي القتال، الذي عرض أمام الجمهور عام 1999، دور راوٍ مجهول غير موثوق به ويشعر بأنه محاصر في وظيفته بأصحاب الياقات البيضاء، من رجال الأعمال الحرة والموظفين والإداريين. يعتمد الفيلم على رواية تشاك بولانيك. ولتأدية الدور التحق نورتون بأندية تلقى فيها دروسا في الملاكمة والتايكواندو والمصارعة.

عُرض فيلم، نادي القتال، لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي الدولي لعام 1999. وأوضح نورتون أثناء الترويج للفيلم، أنه يبحث عن القيم المُتضاربة لجيل مهمّش، هو امتداد لجيل التاريخ الأميركي إكس.

نقاد كثيرون رأوا في الممثل الشاب روبرت دي نيرو الجديد، وهو ما جعل المنتجين يستغلون ذلك للجمع بينهما في فيلم، الهدف، مع مارلون براندو. ثم اشترك مع أنطوني هوبكنز في بطولة فيلم، التنين الأحمر، وهو الجزء الثالث من الفيلم الشهير، صمت الحملان.

وفي عام 2002 قدم واحدا من أهم أدواره، مع المخرج سبايك لي في فيلم، الساعة الخامسة والعشرون، ويدور حول اليوم الأخير في حياة مونتي بروغان قبل دخوله السجن لمدة سبع سنوات.

آخر أعمال نورتون فيلم من إخراجه وبطولته ومعالجته الكتابية، عن قصة للكاتب الأميركي جوناثان ليثيم، هي “بروكلين بلا أم” الصادرة عام 1999. وكان نورتون يحوم حولها منذ عشرين عاما، لكن رفض المؤلف أخّر صناعة الفيلم كل هذه السنوات.

يروي الفيلم، الذي قدم للجمهور في الأول من نوفمبر 2019، أحداثا من الخمسينات وبالتحديد في العام 1954 حول محقق خاص يدعى ليونيل اسورغ يجسد شخصيته نورتون، وهو مصاب باضطراب عصبي وراثي يسمى متلازمة توريت، تسبب تشنجات عضلية لا إرادية وتكرارا صوتيا لا إراديا.

ولكن، يكفي إدوارد نورتون، فيلمين من بين العشرات من الأفلام التي قدمها، ليخلد اسمه إلى جانب عمالقة كبار مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو.

يكفي إدوارد فيلم نادي القتال، ويكفيه أن يكون شاهدا على تاريخ أميركي مسكوت عنه

شاهد أيضاً

رئيس دولة الامارات يصل مصر

(عدن السبق)متابعات: وصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، اليوم السبت إلى …